هل يمكن أو يجب أن نتخلى عن جزيرة "تيدرة"؟

خميس, 23/07/2020 - 23:12

لقد باع الأمريكيون الأصليون قبل 394 سنة، جزيرة مانهاتن إلى الحاكم الهولندي بيير مينويت. ومن أجل الحصول على الجزيرة، يقال أنه عرض النسيج والفؤوس وأدوات المطبخ للهنود و بلغت قيمة التخلي عن الجزيرة المذكورة ما يناهز 60 غيلدر، أي ما يقرب من 1000 يورو اليوم.

 

إن تاريخ البشرية مليء بأمثلة توصف بأنها أخطاء تاريخية تتخلى بموجبها دولة عن جزء من الأراضي التي تعتبر بلا فائدة تذكر أو غير مهمة. وهو ما يعني التنازل عن سيادتها عليها.

 

ودائما في هذا المضمار تنازلت فرنسا عن ولويزيانا (نابليون الأول) ، و كيبك وجزء من غيانا.

 

ويبقي السؤال المطروح وبشكل خاص فكرة التنازل الودي عن إقليم والمصحوب بالتخلي عن السيادة.

 

ان مسألة إمكانية تخلي دولة عن إقليم تابع لها تتعلق بالقانون الوطني، الخاص بكل دولة.

 

 

وفي موريتانيا، ينص الدستور بشكل صريح على مبدأ عدم قابلية التجزئة للجمهورية كما تشير المادة 1 من الدستور "موريتانيا جمهورية إسلامية لا تتجزأ " وكذلك المادة 2 " لا يتقرر أي تنازل عن السيادة جزئيا كان أو كليا إلا بقبول الشعب له"

 

هذا المبدأ ينطبق تقليديًا على كل من العناصر المكونة للدولة: الشعب والسيادة والأراضي. لذا فإن المبدأ هو استحالة التنازل عن الأراضي الموريتانية.

 

وهذا ما تؤكده المادة 78 التي تنص على ما يلي: " فلا صحة لتنازل عن جزء من الأراضي الإقليمية أو تبديله أو ضمه بدون رضا الشعب الذي يدلي برأيه عن طريق الاستفتاء. "

 

" أما في الحالة المنصوص عليها في الفقرة الأخيرة من المادة الثانية من هذا الدستور، فالأغلبية المطلوبة هي أربعة أخماس (5/4) الأصوات المعبر عنها. "

 

وقد حصلت فرنسا من إسبانيا في عام 1795، بموجب معاهدة بازل، علي جزء من سانت دومينغو ولويزيانا ، بموجب معاهدة سان إلديفونسو في عام 1800.

 

وفي عام 1803، تنازلت فرنسا عن لويزيانا، أي 2 144،476 كيلومتر مربع في الولايات المتحدة بأكثر من 15 مليون دولار.

 

واليوم، أصبحت عمليات الاستحواذ / التصرف هذه أكثر صعوبة نظرا إلى المبدأ الدولي للحوزة الترابية التي دافع عنها ميثاق الأمم المتحدة والذي بموجبه يحق كما يجب علي الدولة الحفاظ على حدودها من جميع التأثيرات الخارجية.

 

وفي المثال الآنف الذكر والمتعلق ببيع جزيرة مانهاتن ، يفسر سعر الشراء الهزيل الذي حصل عليه بيير مينويت بحقيقة أن الهنود الأمريكيين لم يكن لديهم مفهوم نقدي يسمح لهم باستيعاب القيمة الحقيقية لجزيرة مانهاتن.

 

الا ان الامر يختلف تماما بالنسبة لجزيرة تيدرة أو جزيرة تيدرا.

 

نعم تمثل الجزيرة بالنسبة للموريتانيين، بغض النظر عن أهميتها الرمزية والتاريخية (معقل الرباط الذي أسسه عبد الله بن ياسين سنة 1053)، حيث انطلق منها المرابطون لشن غزواتهم الملحمية.

 

ان هذه الجزيرة التي تبلغ مساحتها 150 كيلومترًا مربعًا وتقع في وسط محمية حوض آركين أتعتبر أيضا ذات أهمية بيئية واقتصادية حاسمة.

 

 

وقد أصبح حوض اركين الذي أنشئ عام 1976 تراثا عالميا لليونسكو سنة 1989

 

وقد قدمته الحكومة الموريتانية بشكل رمزي كهدية للأرض في 14 مارس 2001، بمناسبة "الحملة" من أجل كوكب حي للصندوق العالمي للطبيعة

.

وقد لعب حوض آركين تاريخياً دورًا رائدًا في التبادلات الاقتصادية لأوروبا كما مثل مفترقا للطرق بين المغرب العربي وأفريقيا السوداء.

 

و كان البرتغاليون أول من استقر هناك عندما كانت قوتهم البحرية في ذروتها.

 

 لذلك استوطنوا عام 1442 تقريبا جزيرة حوض آركين التي شيدوا عليها قلعة أرغين

.

 

وأصبحت بعدها هذه المنضدة أحدي نقاط التبادل الرئيسية للصمغ العربي، جلود الحيوانات، الذهب والرقيق.

 

كما أصبحت هذه المنطقة بفضل الموارد التي تزخر منها وبشكل خاص الأسماك وهي المنطقة ذات الأهمية الأساسية كما تمثل رابطا قويا لأقطاب التسويق بين الشمال والجنوب.

 

وقد شهدت أيضا مياهها مأساة غرق الفرقاطة الفرنسية ميدوسا في 2 يوليو 1816 مخلدة بذلك أشهر لوحة لجيركولت المعروضة في متحف اللوفر.

 

وبعبارة أخرى، فإن تقديم مثل هذه اللؤلؤة المحمية بالقوانين الوطنية وأعظم من وطنية لقوة أجنبية يساوي الخيانة العظمى بل أكثر إذا تبين بالإضافة إلى ذلك أن هناك منفعة شخصية، مما يضيف تهمة الارتجاج.

 

يومية نواكشوط "كوتديان د نواكشوط"

ترجمة محمد ولد محمد الامين

جديد الأخبار