
تُصنف المعادن بموريتانيا كقطاع رائد وحيوي في المشهد الاقتصادي للبلاد، يمثل محركًا رئيسيًا للتنمية ورافعة للنمو المستدام. ففي الوقت الراهن، تبرز مساهمة هذا القطاع بشكلٍ جلي في ميزانية الدولة؛ حيث يشكّل ما يقارب 23% من الإيرادات الميزانوية، و78% من العائدات المالية الإجمالية للصادرات، إضافة إلى 18.9% من الناتج المحلي الإجمالي. علاوة على ذلك، يوفر هذا القطاع عشرات الآلاف من فرص العمل المباشرة وغير المباشرة. ما يؤكد دوره الحيوي في دعم سبل العيش وتحسين المستوى المعيشي للمواطنين.
أضف إلى ذلك، تلوح في الأفق آفاق واعدة لقطاع المعادن بموريتانيا، مدعومة بخريطة معدنية تفصيلية تكشف عن وجود ما يقرب من 900 مؤشر لتواجد المعادن على امتداد مساحة البلاد الشاسعة التي تبلغ 1.2 مليون كيلومتر مربع. لقد تم بالفعل تحديد احتياطات ضخمة لكميات كبيرة من هذه المعادن. على سبيل المثال، تمتلك موريتانيا أكبر احتياطي من الحديد في إفريقيا. وبينما تستشرف السلطات رؤية استثمارية طموحة في هذا المجال، تهدف إلى مضاعفة وتنويع الإنتاج عدة مرات، مرتكزة على ثلاثة أضلاع رئيسية.
الضلع الأول يتمثل في زيادة إنتاج الطاقة النظيفة، وهو عنصر حاسم لتقليل البصمة الكربونية لعمليات التعدين وتعزيز الاستدامة. والضلع الثاني يركز على التخريط الجيولوجي الدقيق للمعادن الحيوية (Critical Minerals) التي تُستخدم في التحول الطاقي، مع التركيز على تلك الموجهة للتحويل والتصنيع. والأخير يعنى بتشييد البنى التحتية الضرورية، بما في ذلك الطرق والموانئ والخرائط التي توفر وسائط النقل والتصدير. إلى جانب توفير المياه اللازمة لعمليات المعالجة والاستثمار في “التعدين الصديق للبيئة”.
ثروات باطنية غير مستغلة
رغم تثبيت 900 مؤشر لتواجد المعادن وتأكيد احتياطات معتبرة للعديد منها، بما في ذلك 6 مليارات طن من خام الجبس، و15 مليار طن من خام الحديد (الأول من حيث الاحتياطي والثاني من حيث التصدير في إفريقيا). و250 مليون طن من الفوسفات، و150 مليون أونصة من الذهب، و28 مليون طن من خام النحاس، و100 مليون رطل من اليورانيوم، و400 مليون طن من التربة السوداء. إلا أن 4 رخص إنتاج فقط من أصل 16 هي العاملة حاليًا في عام 2025 في مجال إنتاج وتصدير معادن الحديد والذهب والنحاس والتربة السوداء.
وقد بلغت صادرات البلاد من الحديد في عام 2024 نحو 14.3 مليون طن، و620,000 أونصة من الذهب، و13 مليون طن من النحاس. فيما تتجه الأنظار إلى أربعة مشاريع كبرى في الأفق القريب، اثنان منها في مجال إنتاج وتصدير الحديد. وهما مشروع “العوج” بالشراكة مع “غلينكور” ومشروع “تكامل” مع شركة “سابك” السعودية. وأما المشروع الثالث المرتقب فهو إنتاج اليورانيوم بالشراكة مع شركة “أورا إنرجي” الأسترالية، إضافة إلى مشروع لإنتاج وتصدير الفوسفات.
ومن المطمئن أن الرخص الاثنتي عشرة الأخرى، التي لا تزال في مرحلة التجريب والتأكيد، قد وصلت إلى درجات متقدمة للانتقال إلى مرحلة الإنتاج والتصدير لمعادن تشمل الحديد والذهب واليورانيوم والفوسفات والتربة السوداء، وهو ما يبشر بمستقبل واعد لقطاع التعدين في البلاد.
جاذبية استثمارية متزايدة وتحفيزات تنافسية
كما لوحظ اهتمام متزايد من قبل شركاء دوليين آخرين بقطاع المعادن في موريتانيا. فقد أصدرت الجهات المؤسسية ذات الاختصاص 129 رخصة بحث وتنقيب في مجالات متعددة. منها الذهب، اليورانيوم، النحاس، الحديد، الفوسفات، الكوارتز، والكروم. هذه الرخص لا تزال في المسار الزمني المعتاد لمساطر البحث المنصوص عليها في المدونة المعدنية. ومن المتوقع أن يتجاوز أربع منها قريبًا إلى مرحلة الاستغلال والإنتاج والتصدير. ما يعكس الثقة المتنامية للمستثمرين في الإمكانات الكبيرة للبلاد.
وفي إطار تحفيز وجذب المستثمرين، تضمن “المدونة المعدنية” حوافز ضريبية تنافسية وجذابة. مقارنة بالحوافز المقدمة في الدول الأخرى المنتجة للمعادن. على سبيل المثال، تنص المدونة على منح “رخص الاستغلال” بمرسوم صادر عن مجلس الوزراء لمدة قد تصل إلى 30 عامًا قابلة للتمديد. بينما تمتلك الدولة 10% من رأس مال الشركة المالكة لرخصة الاستغلال مجانًا. ويمكنها الحصول على 10% إضافية من خلال الشراء والتعويض.
بيئة أعمال داعمة ومؤتمرات دولية
ويشترط وجوب مباشرة أعمال الاستغلال خلال عامين من تاريخ إصدار الرخصة. كما تستفيد الشركة المستغلة من إعفاء من الرسوم والحقوق الجمركية والضريبة على الأرباح التجارية والصناعية لمدة ثلاثة أعوام، ابتداءً من تاريخ أول “شحنة إنتاج”. هذا الإطار القانوني والتحفيزي يهدف إلى خلق بيئة استثمارية مواتية وجاذبة لرؤوس الأموال الأجنبية.
تنظم موريتانيا في الفترة من 8 إلى 10 سبتمبر 2025 النسخة السابعة من حدث “Mauritanies”. وهو لقاء جامع وممتاز تنظيمًا ومحتوىً، يخصص للمحاضرات والمعارض حول فرص الاستثمار في مجال المعادن. ويجمع هذا الحدث كل المهتمين من أصحاب الصفة والصلة. ويعد فرصة سانحة للمستثمرين والمهتمين بمجال المعادن من جميع أنحاء العالم، لا سيما من المملكة العربية السعودية، للمسارعة بالتسجيل من أجل المشاركة النشطة في هذا الحدث التنموي ذي المستويات العالية من المشاركة.
ومن المتوقع أن يفضي هذا المؤتمر، إلى بناء شراكات استثمارية موريتانية-سعودية في مجالات استخراج وإنتاج المعادن في موريتانيا. لا سيما وأن المؤشرات تدل على كثرة المعادن وتنوعها في البلاد. بالإضافة إلى التحفيزات الاستثمارية الضريبية المشجعة. ويعزز مناخ الأعمال المحفز في موريتانيا، مناخ سياسي وأمني مستقر استقرارًا مستدامًا. محصنًا بمشهد سياسي ديمقراطي طبيعي. ومقاربات عسكرية وأمنية أثبتت نجاعتها، وسياسات حكومية تركز على العدل الاجتماعي وترسيخ سلطان القضاء.
بقلم: المختار ولد داهى؛ سفير موريتانيا لدى المملكة