نعم شيخي: هي ليستْ مساعدات إنسانية، بل أدوات إذلال خطيرة.

سبت, 02/08/2025 - 01:26

طلبتُ من شيخي[i] أن يساعدني على ترجمة الخاطرة (موضوع الصورة) إلى اللغة العربية، وأن يساهم في تعميقها: تأكيدا، أو نفيا، أو كما يرى. 

وعلى ضوء ما جرى بيننا، وما تبلور في ذهني، فإنني وأياك، يا شيخي المحترم، نتقاسم عموما نفس المنهج والطرح، سواء حول الترجمة أو فيما يتعلق بالعناصر التحليلية حول الخاطرة. لذا، فإنني أتبنى جلَّ ما قدمتَ، وسأدمجه مع ما يدور في خاطري:

بسبب متابعتي للحرب التي تشنّها إسرائيل على فلسطين، ينتابني شعور متزايد بالقلق العميق، وأنا ألاحظ تطوّرات متلاحقة في التوجه العام الذي أصبح يتبلور في مواقف الدول الغربية، بما فيها الولايات المتحدة.
هذه الدول تُطالب اليوم إسرائيل – وتُلحّ بشكل متزايد – بوقف الحرب والسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى غزة والضفة الغربية. لكن لا يتجاوز الأمر عندها هذا الحد في الحقيقة.

إنني أرى في هذا الموقف رسالةً مبطّنة لاستعباد "المستفيدين" من تلك المساعدات، إذ يصبح بقاؤهم على قيد الحياة مرهونًا بموارد معيشية تأتي من مصادر خارجية لا شأن لإرادتهم فيها. إنها بمثابة "صدقة" كبرى "مُؤسَّسة" ومُمَنهجة، محمَّلة بمعاني الإذلال للشعب الفلسطيني.

فهذا النمط من المساعدات لا يَحط فقط من كرامة الشعوب، بل يُجرّدها تدريجيًا من مقومات العيش الحرّ والمستقلّ. حيث يتحوّل الحقّ الطبيعي في الغذاء والدواء-وحتى في الماء- إلى "منّة" أو "هبة" تُمنح وفق إرادة القوى الدولية المهيمنة، ممّا يجعل الشعب المعني يعيش في دوامة من الانتظار الدائم والقلق الوجودي على مستقبله.

وعلى الصعيد السياسي، فالمساعدات الإنسانية، رغم مظهرها "الرحيم"، فإنها غالبًا ما تُستَخدم كسلاح سياسي وأداة ضغط على الشعوب المستهدَفة والمستضعفَة. فهي مشروطةً، وبالتالي قابلة للتوقّف أو التقليص في أي لحظة، وتُدار وفق حسابات سياسية لا علاقة لها بالضرورة بالاحتياجات الحقيقية للمحتاجين، ممّا يحوّلها في حالات كثيرة إلى وسيلة للابتزاز بدل أن تكون أداة للإنقاذ.

والأخطر من ذلك، خاصة فيما يعني فلسطين، كون المساعدات تصبح نظاما دائما يكرس تبعية بنيوية. فمع مرور الوقت فإنها تُرسِّخ بنيةً اقتصادية واجتماعية تعتمد على الخارج بشكل كامل، وتُضعِف كل جهد لبناء اقتصاد وطني أو منظومة ذاتية للصمود. فبدلا من أن تكون حلًّا مؤقتًا لأزمات إنسانية عاجلة، تصبح أداةً لاستدامة الاحتلال وإبقاء الشعب الفلسطيني في حالة تبعية دائمة.

وهذا الأمر لا يخلو من حسابات حلفاء إسرائيل الغربيين وحماتها الأمريكيين الذين يتظاهرون اليوم بالضغط عليها والميل إلى الانصات بدرجة خجولة للرأي العام المستاء، في بلادهم وخارجها، من تعاونهم مع النظام الصهيوني ومن سكوتهم على جرائم الحرب والإبادة التي يرتكبها على مرأى ومسمع من المجتمع الدولي.

رأي عام مستاء بدرجة لا سابق لها من تصرفات إسرائيل وسياساتها الإجرامية ضد الشعب الفلسطيني ومن مسلكيات حلفائها ودعمهم العسكري والمالي لجرائمها. وطبعًا، فهؤلاء يعلمون أن طلباتهم المتزايدة، بالسماح ب"دخول المساعدات وتوقيف الحرب مقابل إطلاق الرهائن"، ليست سوى "مسكنات".  فحتى إن استجابتْ لهم إسرائيل وحماس، فالوضع الفلسطيني لن يتغير إلا قليلا: المساعدات الإنسانية، كما أسلفنا-  ترسخ التبعية واعتمادها كحل، يتكرر دائما دون غيره، يسد السبيلَ أمام أي آفاق مثمرة تعطي للشعب الفلسطيني حقه في بناء دولة كاملة السيادة، يتمتع سكانها بالحرية والكرامة كباقي الأمم الحرة في البلدان المستقلة.

لذا، لا ينبغي لضحايا الاحتلال الإسرائيلي وجرائمه الفظيعة التعويل كثيرا على "المساعدات الإنسانية" لإنقاذهم. بل يجب عليهم العمل على بناء ميزان قوى يرغم العدو على احترامهم. "طوفان الأقصى" شكل خطوة لا يُستهان بها في هذا المنحى، رغم ثمنه الباهظ جدا.

هل من سبيل لحلول أكثر نجاعة وأقل كلفة؟ وحدة الصف الفلسطيني تقع في هذا الصدد على رأس المسارات التي ينبغي  البت دون تأخير في استكشاف وفتح الطرق الكفيلة بتحقيقها.   

عقيد (متقاعد) البخاري محمد مؤمل (اليعقوبي)

جديد الأخبار